أكثر المتحدثين إليك هي نفسك، منذ أن تستيقظ وحتى تنام، ونفسك تحدثك وتحاورك وتسائلك. هل فكرت يوما في ذلك الحديث الذي يدور بينكما؟
عندما تحزن، نفسك تحدثك وعندما تفرح كذلك، عندما تغضب تبدأ نفسك في الإجابة على أسئلتك الغاضبة، لماذا فعل فلان كذا؟ لماذا لم يفكر في عواقب ذلك؟ هل أنا مهم بالنسبة له؟ هل فعلا هو يحبني أم أنه يخدعني؟ انت تسأل والنفس تجيب.
لماذا معظم الإجابات التي تلهمنا بها أنفسنا خاطئة وتزيد الطين بلة، تزيد الغضب غضبا وتزيد الحزن حزنا وتزيد الخطأ خطأ؟ هل النفس شريرة أم أنها طيبة وصادقة؟ هل هي السبب في ما يحدث معي؟ هل هي مربط الفرس؟
تساؤلات كثيرة بين حنبينا لا نجد لها الجواب ولا نحب مواجهتها كثيرا لأنها قد تكون مؤلمة بالنسبة لنا. ولكن، لا يوجد حل سوى بمواجهة الأمر والوقوف على الحقيقة وقفة صادقة وشفافة.
النفس، عزيزي القارئ هي ارتداد صوتك، هي حصاد فعلك، هي أنت بخيرها وشرها. النفس أمانة أودعها الله في جسدك لترعاها، تحفظها، تربيها، تقوّمها وتزكيها. ألم يقل جل جلاله : ” قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها” إذن نحن من ينفعها ونحن من يضرها، نحن من يصلحها ونحن من يفسدها.
كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول “أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه” يعني يارب استعين بك وبقدرتك على التغلب على شر نفسي وشر الشيطان” كان يدعو بذلك ليعلمنا أن النفس إذا تركت بلا رقيب ولا حسيب ولا مربي، تميل لشهواتها ونزواتها، تميل للمتعة الوقتية، تميل للراحة الوقتية، تميل للخوف، تميل للانتقام، تميل للحسد، تميل للظلم، تميل للتمرد والعصيان.
لا تقلق من ذلك أبدا ولا تخف، هذه طبيعة النفس إذا ماتركت مهملة وسائبة، فقد خلق الله لنا عقلا وقلبا رائعين، بديعين، وأكرمنا بهما وبكل ما ينتج عنهما من فكر وفهم ورشد وحكمة. القلب والعقل يعملان سويا ويغذي كل واحد منهما الآخر. إذا أحسنت استخدامهما، فستمتلك قوة عجيبة تساعدك على تجاوز كل الصعوبات والمحن التي تواجهك في حياتك.
عندما تؤسس مع نفسك مجموعة من المبادئ التي تؤمن بها، ثم تلزم نفسك بها وتجعل حركاتك وسكناتك، وأقوالك وردود أفعالك منسجمة مع هذه المبادئ، فستبدأ حينها في كسب الرهان وستبدأ حياتك في خوض رحلة شيقة وجميلة، مليئة بالحب والراحة والهدوء والطمأنينة.
في هذه الرحلة، عليك أن تستعين بالله، وتجعل توكلك عليه، وتحسن الظن فيه، فنحن خلقنا ضعفاء، وبحبل الله نصبح أقوياء. عندما تستمد قوتك من ضعفك أمام خالقك فأنت الأقوى، عندما تستمد عزتك من ذلّك بين يدي ربك، فأنت العزيز. إعلم أن الله يحبك، وهو أرحم بك من أمك وأبيك، إعلم أنه خلقك ليكرمك وفتح لك الأبوب وتركها مفتوحة طيلة حياتك وترك الخيار لك أنت، وجعلك حرا تماما في هذا الاختيار.
أخبرك الله أن الحياة لن تدوم، وأنت تعلم ذلك جيدا بل وتؤمن بذلك، وأخبرك أنك مادمت حيا، فأنت في فسحة من أمرك، تختار وتقرر وتقول وتفعل كما تشاء. ثم أخبرك أن عدله يقتضي الجزاء، وأن رحمته تقتضي العدل، لذلك أوجد يوم الحساب، ويوم الجزاء ليأخذ كل ذي حق حقه.
مهما ظلموك، ستأخذ حقا يوما ما، ومهما قهروك، سينتقم الله لك لا محالة. مهما تعبت وتألمت ، فلا بد أن ترتاح يوما ما. سيأتي يوم نتمنى فيه لو تأجلت حقوقنا كلها لذلك اليوم ولم نأخذها في الدنيا. لذلك، كل حق أخذته في الدنيا فهو يكفي، بقية حقوقك تأجلت ليوم الحساب. فلا تتحسر ولا تتألم واجعل ثقتك الكاملة في الله وحده.
عندما نفسك في الحديث معك، فلا تأخذ منها الإجابة مسلمة وتتصرف على أساسها، يجب أن تضعها على ميزان الحق، ميزان المبادئ والقيم، ميزان العدل. لا تستسلم لعاطفتك واجعل قلبك متعلقا بالله لا بخلقه. كن مستعدا لتفارق الجميع، فقط لا تفارق ذلك الحبل الذي بينك وبين خالقك، فهو السند في كل محنة، وهو الراحة في كل تعب، وهو الأمان في كل خوف. نفسك لن تستقيم حتى تقيمها على الحق وتجردها من كل شهواتها ونزواتها.
لا تتخيل أنك يجب أن تكون كاملا فالكمال لله وحده، ولكن كن حريصا، كن منتبها، لا تغفل ولا تتغافل، اجتهد بقدر المستطاع على تزكية وتطهير نفسك، افشل ولكن لا تيأس، ارتكب الأخطاء ولكن لا تقنط. سامح خلق الله ليسامحك الله، ارحم خلق الله ليرحمك الله، ساعد خلق الله ليساعدك الله.
“أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس” حديث، كن نافعا بمالك، كن نافعا بعلمك، كن نافعا بخلقك، ولا تنتظر المقابل من الناس، انتظره فقط من رب الناس. تألم وتعلّم، اصبر وصابر، اعفو وسامح، ستكون أنت الرابح. لا تجعل حساباتك ضيقة وشخصية، اجعلها واسعة وإلهية. انظر للأمور بميزان الله لا بميزان البشر. اجعل نظرتك مختلفة عن السواد الأعظم، ابحث عن راحة في كل ألم، ابحث عن عدل في كل ظلم، ابحث عن حق في كل باطل، ابحث عن خير في كل شر.
بقلم : مالك سوالمية
اترك تعليقاً