خط الأنابيب

في قرية نائية عن المدينة، أقرب مصدر ماء صالح للشرب فيها هو النهر الذي يبعد ثلاثة كيلومترات على القرية. قرر عمدة القرية أن يقوم بانتداب شخصين للقيام بمهمة جلب الماء من الواد. وقع الإختيار على صابر وجابر، صديقين مقربين يبحثان عن فرصة عمل. بدأت الأشغال وكانت مهمتهما اليومية هي جلب الماء من النهر الى القرية، ونهاية كل شهر يتحصلان على راتب يكفي فقط للاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب وملبس

بعد مرور ثلاث سنوات من العمل المضني والمتواصل، بدأ صابر في الشعور بالملل والإجهاد، خاصة وأن لاشيء تغير في حياته بل إن جسده الضئيل بدأ يفقد قدرته على المواصلة. وفي يوم من الأيام، خطرت لصابر فكرة جديدة، تحمس لها كثيرا حتى أنه خرج مسرعا لزميله جابر ليحدثه عنها
تخيل يا جابر لو أننا قررنا أن نخصص الفترة المسائية بعد العمل اليومي للقيام بحفر مجرى صغير يربط بين القرية والنهر، في كل يوم نتقدم مترين أو ثلاث، وبحسابات بسيطة، وبعد ثلاث سنوات، سيصبح لدينا خط أنابيب خاص بنا، يأتينا الماء بنفسه بدل أن نذهب إليه، ونرتاح من هذا المجهود المضني، بل ويصبح لدينا مشروعنا الخاص الذي يعمل من أجلنا ولن نحتاج للعمل بعدها براتب زهيد مع غيرنا. وعندها يا جابر بدل أن نعمل من أجل المال، سنجعل المال هو الذي يعمل من أجلنا
كانت ردة فعل جابر غير متوقعة، فقد ضحك على صديقه واخبره أن مايقوله مجرد حلم وهذيان، وأنه لن يستطيع تحقيقه، لأنه يتطلب وقتا وجهدا كبيرا، كما أنه سيقوم بشيء جديد سيعرّضه للسخرية من أهل القرية، خلاف ذلك قد لا يستطيع اكمال المشروع وقد يتوقف في اي لحظة لأي سبب كان
كان جابر متشائما جدا، يخاف من التغيير، ويتهرب من خوض تجارب جديدة في حياته، على خلاف صابر الذي كان متحمسا جدا لمشروعه، واثقا من نفسه، متوكلا على ربه. كان صابر يعيش باحثا عن حل، كان يعيش دور البطل لا الضحية، قرر أن يبدأ لوحده وأن يعتمد على نفسه، وأن يصنع نجاحه من الصفر، قرر ألا يلتفت وراءه، وألا يبحث عن أعذار ومبررات تبقيه على وضعه الحالي
بدأ صابر أعماله، كان ملتزما ونشيطا وعازما على الاكمال حتى النهاية، كل يوم يتقدم خطوة صغيرة نحو هدفه، لا يلتفت لكلام الناس، ولا يتأثر بسلبيات المجتمع، كان صبورا و مثابرا. مرت الأيام، ثم الشهور، ثم السنوات
وفعلا، وبعد ثلاث سنوات، صار المجرى جاهزا، فتح المجرى من النهر وتدفق الماء بسرعة الى القرية حيث كان صابر في انتظاره بكل سعادة وفخر. نجح صابر في صناعة خط أنابيبه الذي جعله من أثرى أثرياء القرية، أصبح يحقق دخلا عاليا ومستمرا من بيعه للماء لسكان القرية، بل أصبح صابر يعيش حرية مالية وحرية في الوقت كذلك، المدخول مستمر حتى لو كان صابر غائبا عن موقع العمل، فتجده يسافر ويمارس هواياته، ويتفسح مع عائلته وذلك المدخول لا يتوقف
نجح صابر في صناعة خط أنابيبه، وبقي جابر في نفس مكانه، يعمل براتب زهيد، لا يكاد يكفيه هو عائلته. ندم جابر ندما شديدا على ضياع الفرصة من بين يديه، وواصل دور الضحية في المجتمع، وزاد فصلا جديدا من الفشل في حياته، وبقي يحدّث الناس عن قصة فشله وعن حظه العاثر، أما صابر فقد ألهم الكثير من الناس ليبدؤوا في صناعة خط أنابيبهم
العبرة من القصة
خط الأنابيب عقلية ذكية وحكيمة، تهدف لبناء مصدر دخل جاري لا يتوقف بتوقف صاحبه عن العمل، والأمثلة على ذلك كثيرة، كبناء منزل أو محل تجاري وتأجيره، أو تأليف كتاب حقوق طبعه محفوظة لصاحبه، أو إنشاء خدمة على الانترنت بمقابل مادي ، أو تصميم تطبيق على الجوال وعرض الاعلانات بداخله بمقابل مادي، أو الحصول على رخصة تكسي وتأجيرها، أو بيع دورات تدريبية مصورة على الانترنت
كل ماسبق إما أنه يحتاج منك رأس مال محترم، أو خبرة عملية كبيرة في مجال او تخصص معين، او يحتاج الى علاقات وساطة وأكتاف في الدولة. لذلك يعجز عنها معظم الناس
القاسم المشترك بين كل هذه المشاريع السابقة هو أنها لن تتوقف حتى لو توقف صاحبها عن العمل. عزيزي القارئ، إسأل نفسك هذا السؤال: ماهو خط الأنابيب الخاص بي والذي قمت بصناعته، أو على الأقل بدأت في صناعته وفي انتظار اكتماله. كلما كثرت خطوط الأنابيب الخاصة بك، كلما ضمنت لنفسك او اهلك حياة كريمة وطيبة، لم يفت الأوان بعد، يمكنك أن تبددأ اليوم، بل يمكنك أن تبدأ الآن
مع كل تلك الأنابيب وغيرها، تتوفر فرصة خط انابيب رائعة ومتاحة للجميع، لا تتطلب رأس مال ، ولا خبرة، ولا وساطة، وفي نفس الوقت يمكنها ان توصلك لنفس الهدف المنشود: مصدر دخل جاري
إذا كنت حقا تبحث عن طريقة مناسبة وبسيطة ومتاحة لتبدأ في صناعة خط أنابيبك، فلا تتردد في التواصل مع الشخص الذي أهداك هذه القصة، لكي يرشدك ويوجهك وينصحك، ولكن قبل أن تتصل به، يجب أن تتأكد أولا أنك تملك عقلية صابر وتفاؤل صابر وطموح صابر
بقلم: مالك سوالمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *